حشد – نص الورقة التي قدمتها الرفيقة عبلة ابو علبة الامين الأول لحزب الشعب الديمقراطي الاردني “حشد” في مؤتمر ” ثقافة المقاومة في مواجهة التحديات الصهيوامريكية” الذي اقامته رابطة الكتاب الاردنيين بتاريخ 21-22/6 /2025م تحت عنوان المقاومة في مواجهة التحديات الدولية
المقاومة والتحديات الدولية
عبلة محمود أبو علبة
رابطة الكتاب الأردنيين
عندما نتناول موضوعاً على هذه الدرجة من الأهمية، علينا أن نطرح طبيعة هذه التحديات أي المشروع الذي تتبناه القوى الدولية المهيمنة على القرار العالمي، وتفرضه بالقوة العسكرية والاحتلالية والاقتصادية على عالمنا.
انه المشروع الاستعماري الذي تتداخل فيه اسرائيل الكبرى مع ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد، وذلك في سياق العمل على احكام السيطرة الاقتصادية والسياسية والأمنية على العالم.
وهنا لا بد أن ينشأ السؤال التالي؟ هل يحمل هذا المشروع ادواته اللازمة من أجل نجاحه ، وهل ستتمكن الدول الاستعمارية وعلى رأسها الولايات المتحدة من تحقيق هذه الأهداف التوسعية؟
في هذا السياق لا بد من اعادة تقييم وفحص للمرحلة التاريخية الراهنة بسماتها وخصائصها المختلفة نوعيا عما كانت عليه والتطورات الجارية منذ التسعينات من القرن الماضي على موازين القوى في العالم.
1-فالتحديات الاستعمارية الجديدة تأتي في سياق مرحلة تحولات جديدة نوعية لم تكتمل شروطها بعد من أجل الانتقال الى عالم أكثر توازنا وأمناً، فالقوى الدولية الصاعدة حديثا بامكاناتها الاقتصادية والعسكرية والتقنية الهائلة:”دول مجموعة البريكس” تشكل عنواناً رئيسياً لاستعادة التوازن الدولي والنظام العالمي القائم على تعدد الاقطاب، حيث ستكون البشرية اكثر أمنا من المرحلة التي هيمن فيها القطب الواحد على القرار الدولي وفقد العالم أمنه تماماً أمام وحشية القوى الاستعمارية بسبب اعتمادها كما هو معلوم على القوى العسكرية وشن الحروب حتى لو استدعى الأمر ارتكاب حروب ابادة جماعية كما حصل في أكثر من قارة في العالم قبل أن يصل الى الشعب الفلسطيني في غزة.
“والابادة هنا تصل الى الحضارات والانجازات الانسانية وليس فقط الضحايا البشرية”
اذن فنحن نعيش مرحلة تاريخية انتقالية تفرض فيها عوامل التطور الطبيعي شروطها بصعود قوى دولية ناشئة قادرة على التصدي لهيمنة القطب الواحد.(الصين ، روسيا، البرازيل…الخ)
2- نستدرك هنا للتأكيد على أن الدول الناشئة والصاعدة حديثاً، لم تشكل بعد قوة متكافئة مع الدول الاستعمارية المهيمنة، نظراً للفوارق الكبيرة في القدرات العسكرية والتكنولوجية الحديثة، ولكنها بدأت تشق طريقاً نحو التوازن والتكافؤ بقوة الردع الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجيا أيضاً، وهذا العامل يسبب هلعاً كبيراً للقوى الرأسمالية والاستعمارية.
نستشهد هنا بالمواجهة القائمة مع حلف الناتو في اوكرانيا، والرد الايراني على العدوان الصهيوني، والقوة الاقتصادية الكبرى التي تمثلها الصين…الخ.
ان القوى الدولية الصاعدة حديثاً، بسبب عدم وصول تفوقها بعد الى مرحلة فرض التوازنات الدولية، التي من شأنها التصدي لسياسات التوحش الاستعماري كما نشهدها، وبسبب الخطر الكبير الذي تشكله قواها الصاعدة بسرعة هائلة، فان السياسات الاستعمارية في منطقتنا والقوى والدول التي تقف وراءها تعمل على تحقيق مشروعها بسرعة هائلة أيضاً وفرضه بالقوة العسكرية الفاشية مهما كلف الأمر.
3-أين تقع دولنا وشعوبنا في هذه التحولات الدولية:-
أ-نخطيء الحساب تماماً اذا ما اعتقدنا أن مجرد صعود قوى دولية جديدة صديقة أو حتى غير معادية، فهو كفيل بحل صراعاتنا الطويلة ذات الطابع الوطني والقومي تحديداً لصالح شعوبنا وبلداننا، تماماً كما أخطأ كثير من مثقفينا وسياسيينا عندما بشروا بسقوط الرأسمالية الحديثة عندما وقعت الأزمة المالية الكبرى في قلب مركز الرأسمالية العالمية في نيويورك عام 2008 “انهيار البنوك” فليس صحيحاً الاستهانة بالقدرات المتوفرة لدى القوى الرأسمالية من أجل استعادة نهوضها وحل أزماتها تماماً كما حصل عندما تدخلت الحكومة الفدرالية الامريكية في ذلك الوقت، كما أنه ليس صحيحاً أبداً الاعتقاد الشائع لدى شعوب دول الجنوب تحديداً، بأن نظام الهيمنة الرأسمالي مؤبد ولا خيار سواه.!!!
لقد أجاب كل من فوكوياما، وهنينغتون، على مثل هذه النظرية الوهمية وقدم فوكوياما صاحب نظرية نهاية التاريخ مراجعة واعتذاراً عن اشاعة مثل هذه الأوهام فيما بعد.
ب- في اطار التكتلات الاقليمية الدولية لا بد وأن يكون لمجموعة الدول العربية التي تجمعها مصالح استراتيجية مشتركة ناهيك عن التاريخ والحضارة والجغرافيا ان تشكل قطباً رئيسيا في معادلة الصراع والتحولات الجارية نحو الانتقال من نظام القطب الواحد الى النظام الدولي المتعدد الأقطاب.
ان استمرار سياسات التبعية السياسية والاقتصادية قد تقود مرة أخرى الى عودة عهد الاستعباد، ولن تكتفي القوى الاستعمارية الجديدة المتوحشة بصيغ التبعية القائمة الآن، بل ستعمل على فرض نموذج اكثر توحشا من الاستعمار القديم، بدليل ما يجري الآن ليس فقط على أرض فلسطين المحتلة وانما في مناطق واسعة من العالم: تشريع الاحتلال، تشريع العنصرية والابادة الجماعية، عمليات النهب والاستغلال المنظم، التهديد باستخدام النووي وكل ما أنتجه العقل البشري بعد الثورة التكنولوجية للهيمنة التامة على العالم . تراجع سياسات الدفاع عن الهويات الوطنية والقومية وكل ما يقترن بها من قيم انسانية نبيلة…الخ. واحلال سياسات الفوضى والحروب العنصرية.
ج- نشوء ثقافة عامة انتظارية في أوساط شعوبنا مفادها،أن القوى الدولية الحليفة او الصديقة معنية بالدفاع عن مصالحنا الوطنية، وحسم صراعاتنا مع المشاريع الاستعمارية.
تستحق هذه المسألة التوقف عندها لتفكيكها ودحضها، بسبب ما تخلفه من مخاطر على منظومتنا المقاومة وعلى ثقافتنا الوطنية، لأن الوقائع التاريخية جميعها أثبتت أن بناء القوى الذاتية هو الأساس في بناء التحالفات السياسية وبدون توفر هذا الشرط سنبقى جزءاً صغيراً تابعاً في الاستقطابات الدولية القائمة وليس طرفا فاعلاً فيها.
نعتمد في دفاعنا عن هذه المسألة ليس فقط على تجارب الشعوب والدول وانما على الامكانات والطاقات والخبرات الهائلة التي تتوفر لنا، والتي اذا ما جرى استثمارها وتنظيمها وتوظيفها جيداً فانها ستشكل قطبا مؤثراً جداً في السياسات الدولية.
4- كما تسود الآن ظاهرة التكتلات الاقليمية والدولية: في سياق الانعطافات التاريخية الحادة القائمة في النظام الدولي. هذه الظاهرة تقدم فرصة-عصرية-لا تقدر بثمن من أجل تصحيح مساراتنا التاريخية، والانحياز للتكتلات السياسية والاقتصادية الموائمة لمصالحنا الوطنية والقومية،أي بدء وضع الخطى على طريق التحرر من التبعية لنظام القطب الواحد ومؤسساته وسياساته وهيمنته الآخذة في الازدياد. كما تحمل هذه الظاهرة في طياتها معطى جديداً في العلاقات الدولية والتحولات التي جرت عليها منذ الحرب العالمية الثانية، حيث ساد نظام القطبين الرئيسيين:الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، وكانت التحالفات الدولية تدور في فلك هذين القطبين على مدى ما يقرب من ستين عاماً. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، تزعمت الولايات المتحدة قيادة العالم، ولكن تطورات هائلة كانت تجري في باطن البلدان على مستوى القارات أجمع:أمريكا الجنوبية والوسطى(600 مليون نسمة)، صمود الثورة الكوبية، التطورات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية العملاقة في الصين، التطورات نحو اليسار في جنوب افريقيا، وطرد الاستعمار القديم في اكثر من موقع في افريقيا السمراء. لم تسلم هذه البلدان بزعامة الولايات المتحدة الامريكية، بل استمرت في كفاحها من أجل فرض شروطها الوطنية والديمقراطية، في الوقت الذي تراجعت فيه الى حدود مأساوية الأوضاع في البلدان العربية، عندما جرى تدمير دول وطنية كبرى وتشريد شعوبها وتغول الاحتلال الصهيوني وعدوانه المتكرر على البلدان العربية…الخ.
يحتاج كل هذا الذي جرى الى مراجعة واسعة، ولتحديد أسباب هذا الاخفاق التاريخي، في مواكبة التطور والعجز عن مواجهة الاستعمار…
لم يقتصر الأمر على الاستسلام السياسي وتوقيع المعاهدات غير المتكافئة مع العدو/ بل تخطاها الى غياب مشاريع التنمية الاقتصادية والثقافية والانسانية، وفرض سياسات الدولة الأمنية بدلاً من دولة التنمية الشاملة. لن نتوقف عند حد هذا التشخيص السريع بل نقول ان المراجعة الجادة لدور المؤسسات الرسمية للدولة، ودور المنظمات المجتمعية يجب أن تتم قبل وضع خطة مقاومة شاملة لعهد الاستعباد الذي يخطط له الحلف الاستعماري الصهيوني.
5-مفهوم المقاومة بمضامينها وأبعادها الشاملة يجب أن تتم ترجمتها في رؤيا التغيير التي تطرح على الشعوب والمجتمعات العربية
-اذ يجب أن يتسع مفهوم المقاومة وعناصرها، ليشمل جميع المسالك والطرق ضد المشروع الاستعماري الاستعبادي:وفتح جبهات على جميع المستويات السياسية والثقافية والحقوقية وذلك من أجل التصدي للمنظومة الاستعمارية ذات الأبعاد نفسها، وبمضامين تتناسب مع مقاومة أهداف مشروع اعادة بناء الشرق الأوسط الجديد واسرائيل الكبرى.
لقد استخدم العدو بنجاح باهر حروب تفكيك الدول والمجتمعات أيضاً:ماديا وثقافيا؟ فماذا لدينا في مواجهة هذا النوع من الحروب المدمرة لحضارتنا ومجتمعاتنا…
-الحروب العسكرية التي دمرت الأنظمة السياسية في العراق، وسوريا، ليبيا، واليمن، والسودان، وتعمل على فرض سياسات استعمارية على الانظمة العربية الاخرى، قامت أيضا بتدمير بنية مجتمعات هذه الدول من خلال : عمليات التهجير والابادة الجماعية، والا فماذا نسمي قتل مليون عراقي في العدوان المتكرر على العراق ثم احتلاله عام 2003/ وماذا نسمي هجرة 15 مليون سوداني خارجيا وداخلياً، وهجرات سكانية شملت ملايين الأشخاص في الدول العربية المذكورة…
لقد عملت القوى الامبريالية العالمية والحركة الصهيونية على تدمير الهوية الوطنية والقومية وتعمدت الاعتداء على منجزاتها الحضارية والثقافية.
6-في مجابهة عمليات التدمير هذه وتلك، يجب أن تتضمن خطط المواجهة:خططا أخرى بديلة اقتصادية، سياسية، ثقافية، حقوقية، وتنموية شاملة دون اهمال أي واحد من هذه المسارات المتكاملة، مع التأكيد على: الابتعاد تماماً عن الشعارات واللغة السياسية العمومية، وتزويد شعوبنا ببرامج عمل ملموسة وتفصيلية تحاكي المخاطر والأوجاع التي تعاني منها مجتمعاتنا على جميع الصعد.
-ان تحويل مبدأ المقاومة الى خطط عمل شاملة وتفصيلية انما تحتاج الى قوى اجتماعية لحملها والتعبئة بها والدفاع عنها ولا يمكن أن تنجح المقاومة في مسعاها اذا ما اقتصرت على البرامج العامة والشعارات التي لا يختلف عليها احد وتصح في كل زمان ومكان. البرامج الملموسة هي التي تحول مبدأ المقاومة الى ثورة شعبية واسعة من اجل التغيير.
7- ان اعادة بناء قوى التغيير على أسس جديدة تأخذ بالاعتبار جميع العوامل أعلاه، سيكون من شأنها احداث تغييرات عميقة في موازين القوى العامة في كل بلد عربي على حدة/ وفي البلدان العربية اجمالاً.كما سيكون من شأنها ان تضاعف الزخم الشعبي الهائل لدى شعوب العالم الرافض للسياسات الاستعمارية والاحتلال والعنصرية.
21/6/2025

