حشد – في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر 1917، أصدرت حكومة بريطانيا الاستعمارية وعدها المشؤوم على لسان وزير خارجيتها آرثر جيمس بلفور، الذي منح من لا يملك، أرض من يملك، لمن لا يستحق. لقد شكّل هذا الوعد محطة فاصلة في التاريخ الفلسطيني والعالمي، إذ فتح الباب أمام أكبر جريمة اقتلاعٍ وتشريدٍ جماعي عرفها القرن العشرون، حين وُضعت فلسطين على مذبح الأطماع الاستعمارية والمشروع الصهيوني المدعوم من القوى الكبرى.
لم يكن وعد بلفور مجرّد تصريح سياسي عابر، بل كان الركيزة الأولى في منظومة تواطؤ دولي ممنهج، أُعدّ بعناية لتقسيم المشرق العربي وتمكين المشروع الصهيوني من التغلغل والسيطرة. وشكّل سلسلة متكاملة من الزيف القانوني والتآمر السياسي، حيث جرى تحويل الوعد إلى التزام دولي رسمي ضمن نظام الانتداب، لتُشرعن سرقة وطنٍ كامل تحت غطاء «القانون الدولي».
واليوم، وبعد مرور (108) أعوام على تلك الجريمة، يتجدد المشهد نفسه بأدواتٍ جديدة وأسماءٍ مختلفة. فالمجازر التي ترتكبها قوات الاحتلال في قطاع غزة، والعدوان المتصاعد على الضفة الغربية والقدس، ليست سوى استمرار عملي لوعد بلفور في نسخته المعاصرة.
لقد تحوّل الوعد إلى سياسة دولية مستمرة، تتغذّى على ازدواجية المعايير، وعلى نظامٍ عالميٍّ ما زال يتعامل مع فلسطين كاستثناء خارج منظومة العدالة. بالأمس كانت بريطانيا تهيّئ الأرض للهجرة اليهودية، واليوم تتواطأ الولايات المتحدة على إدامة الاحتلال، وتستهدف وكالة الأونروا في محاولة جديدة لطمس قضية اللاجئين وإنهاء الشاهد الأممي على الجريمة.
إن اللجنة العليا للدفاع عن حق العودة، وهي تستحضر هذه المناسبة السوداء في تاريخ شعبنا العربي الفلسطيني، تؤكد أن جذور مأساة فلسطين لا تبدأ عام 1948، بل تعود إلى وعد بلفور وما مثّله من خيانة للقيم الإنسانية والعدالة التاريخية. وإن استمرار الاحتلال والاستيطان، وسياسات التطهير العرقي، والحصار الممنهج ضد أبناء شعبنا، إنما هي النتائج المباشرة لذلك الوعد الاستعماري، الذي ما زال يفرض منطقه حتى يومنا هذا عبر أدوات القوة والهيمنة والابتزاز السياسي.
وفي هذه المناسبة ندعو إلى: مراجعة المسؤولية القانونية والأخلاقية لبريطانيا وسائر الدول الاستعمارية التي ساهمت في زرع الاحتلال وتثبيته على أرض فلسطين، والعمل على مساءلتها وفق القانون الدولي.وتوحيد الصف الوطني الفلسطيني في مواجهة العدوان والإبادة، وإنهاء الانقسام الكارثي، وبناء استراتيجية مقاومة شاملة تربط بين النضال الميداني والسياسي والدبلوماسي. وتحشيد القوى العربية والتقدمية العالمية لدعم كفاح الشعب الفلسطيني من أجل التحرر والعودة والاستقلال، ومواجهة محاولات تصفية الحقوق الوطنية المشروعة تحت عناوين مضلّلة أو اتفاقات جزئية.
إنّ وعد بلفور سيبقى رمزاً للظلم الاستعماري الذي ما زلنا نواجهه، لكن شعبنا الذي قدّم التضحيات الجسام على امتداد تاريخه، لن يسمح أن يكون هذا الوعد قدراً محتوماً. إننا على عهد الشهداء والأسرى والجرحى ماضون حتى إسقاط نتائج الوعد المشؤوم وتحقيق أهداف شعبنا في الحرية والعودة والاستقلال.
2 / 11 / 2025
اللجنة العليا للدفاع عن حق العودة / الاردن

