حشد– المعركة القانونية السياسية لن تقل ضراوة عن المعارك الوطنية الاخرى العديدة المفتوحة ضد الاحتلال الصهيوني العنصري ، ورغم قدم تاريخ القانون الدولي والانساني، الا انه لم يستثمر في أي محطة من محطات التاريخ النضالي الطويل للشعب الفلسطيني حيث ارتكب المجتمع الدولي نفسه جريمة تاريخية، عندما شرع وجود دولة الاحتلال على أرض فلسطين وعلى حساب شعبها: فهذا هو الأصل في الكارثة المتواصلة التي حلت بالشعب الفلسطيني: احتلال الأرض، والتهجير القسري، ومن اجل تحقيق ذلك ارتكبت العصابات الصهيونية عشرات المذابح بحق المدنيين العزل في القرى والمدن الفلسطينية، المؤرخون الفلسطينيون والعرب وقلة من المؤرخين الاسرائيليين يثبتون هذه الوقائع الجرمية ولكن لم تصل هذه الوثائق في اي يوم من الايام الى العدالة الدولية : باستثناء قضية رفعت ضد بناء جدار الفصل العنصري.
يلاحظ الآن ارتفاع نسبة الوعي القانوني والسياسي على نطاق شعبي واسع سواء في الميادين العربية او الدولية، وقد ادى حجم الفظائع التي ارتكبها الاحتلال بحق شعبنا في غزة تحديداً، الى توسيع غير مسبوق في حجم التأييد للقضية الوطنية الفلسطينية، واستعداد بعض الدول والكثير من الافراد والمنظمات الشعبية لتولي رفع القضايا القانونية ضد دولة الاحتلال وقادته المجرمين.
كان لا بد من فتح هذه الصفحة : والاطلالة على امكانيات خوض معركة قانونية تتوفر لها كل الادلة الجرمية والمعطيات الضرورية المطلوبة من قبل محكمة العدل الدولية.
في هذا المناسبة استضاف أئتلاف الاحزاب القومية واليسارية ندوة متخصصة للخبير في القانون الدولي الدكتور أنيس القاسم و الاستاذ المحامي يوسف حمدان لادارة الندوة.
الاستاذ المحامي يوسف حمدان:
مساء الخير وشكراً لتكليفي بهذه المهمة، وأنا جزء من الاحزاب القومية واليسارية، وهذه المعركة الوطنية التي توجب على الجميع ابداء مساهمته في أي جهد كان ، انها معركة الوعي لم ترتبط يوماً البطولة والمأساة في حياة أي شعب بقدر ما ترتبط الآن في حياة الشعب الفلسطيني البطولة مع صفحة المأساة ، اقلب الصفحة ولن تقلب الصفحة ستبقى على المأساة وعلى البطولة.
هناك شعب يقاوم والمأساة حاصلة في عدم التكافؤ ولكن هذا الشعب لا زال يقاوم منذ مئة عام وهو يقاوم ، هكذا انفتح الجرح الفلسطيني الكبير على مفارقة كبيرة ، فهذا الشعب الذي حرم من الاستقلال وتعرض وطنه لاحتلال من نوع آخر جديد الذي صاحبه ما سمي يسرقة العصر اثر تعميم الاكذوبة القائلة ان فلسطين هي ارض بلا شعب ليأتي الحدث العظيم السابع من اكتوبر ليكرسه واحداً من التواريخ العظيمة ذات الدلالات العميقة في تاريخ نضال الشعب الفلسطيني ويضاف للتاسع من ديسمبر عام 1987 اليوم الذي انطلقت فيه الانتفاضة الفلسطينية الكبرى، اليوم الذي أعادت فيه الجماهير الفلسطينية بلحمها العاري القضية الفلسطينية الى بؤرة الاهتمام الدولي بعد أن أدت مجموعة من الاحداث الدولية والتطورات الى تراجع القضية وما أشبه اليوم بالبارحة فها هي العملية البطولية في السابع من اكتوبر وما تبعها من صمود اسطوري تعيد القضية الفلسطينية للشعب الفلسطيني من جديد الى مركز الاهتمام العربي والدولي ، ولكن هذه المرحلة تتميز بانتشار الوعي الشعبي.
وخاصة الوعي القانوني والبحث في الاساس وتبيان أن الظلم الذي لحق بالشعب الفلسطيني بتشريده من ارضه بعد اقتلاعه منها واحتلال وطنه بقوة الارهاب المنظم والاخضاع للاضطهاد وتعرضه لعملية تدمير ممنهجة لجميع معالم حياته الوطنية بالرغم من محاولة التزييف التاريخي ، فان الوعي الجماهيري العربي والعالمي تحديداً يلامس جوهر الصراع ليكتشف أن الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني للشعب العربي الفلسطيني في وطنه، لا يمكن أن يمحى وتضحياته عبر الاجيال المتعاقبة دفاعاً عن حريته ووطنه واستقلاله مستمداً ومتكئاً على الشرعية الدولية التي تقف بكليتها الى جانب تأمين هذه الحقوق وتكريسها.
أيها الرفاق:
ان الوحشية الصهيونية لم تأت رداً على السابع من اكتوبر وانما جاءت في سياق احتلالي منهجي بدأ منذ وضع المشروع الصهيوني في فلسطين موضع التنفيذ توصلاً الى ابتلاع الأرض بعد ابادة الشعب الفلسطيني .
ولكن السابع من اكتوبر بدد الحلم الصهيوني ووضع أمام العالم صورة مروعة للمأساة التي يعيشها هذا الشعب فوق ارضه وأثير البحث من جديد حول ما يمكن ان يقوم به المجتمع الدولي حيال هذه المسألة حتى أن الأمين العام للأمم المتحدة الذي خرج عن صمته اتجاه هذه المسالة اضطر ان يسمي الأشياء بمسمياتها وتعرض لحملة صهيونية غير مسبوقة .
في هذه الأمسية ، أيها الرفاق لا أريد أن أكرر التعريف بالدكتور أنيس القاسم فهو غني عن التعريف في هذا المجال وزميل وشهادتي مجروحة به للتواصل الدائم فيما بيننا ، واسمحوا لي أن أقدم الدكتور أنيس القاسم القامة الوطنية والقانونية الكبيرة في محاضرته حول الجانب القانوني والسياسي للعدوان الصهيوني على غزة.
الدكتور أنيس القاسم: دحض الرواية الاسرائيلية
قدم د. أنيس القاسم مداخلة ثمينة تركزت محاورها حول العناصر الرئيسية في القوانيين الدولية المساندة للقضية الوطنية الفلسطينية وامكانية اسثمارها في المحاكم الدولية التابعة للهيئة الامم المتحدة فيما يلي نورد نص المداخلة لاهميتها:
شكراً للرفيقة عبلة وللرفيق يوسف على هذا التقديم أسعد الله مساءكم وأنا اعتز بهذه اللقاءات مع هذه النخب المناضلة ذات التاريخ الطويل ونحظى فيها بأن نبارك بهذه الانتفاضة الفلسطينية الباسلة التي تشهد وتفتح صفحة مهمة في تاريخ النضال الفلسطيني سوف أتعرض فقط للجانب القانوني من هذا النضال الفلسطيني والذي ظل مغيباً كما قالت الرفيقة عبلة فترة طويلة ولا زال ، فيما عدا استثناء واحد انما نحن الآن بصدد معركة قانونية باسلة سوف نأتي عليها بالتفصيل ولكن قبل ذلك أود أن أوضح نقطة هامة جداً تحدث التباساً لدى ذوي الشأن والمهتمين بالشأن العام وهي ان اسرائيل تمارس حق الدفاع عن النفس، أطلق هذه هذه الاكذوبة الكبرى رأس الامبريالية العالمية جون بايدن وتبعته في ذلك الرؤوس الامبريالية الغربية بالتغني بنفس المقولة والتقطتها اسرائيل ولا زالت تكرر هذه المقولة عند كل منعطف، أتحدث أنا من الناحية القانونية الصرفة وليس السياسية فان مقولة «أن اسرائيل تمارس حق الدفاع عن النفس» فيما ترتكبه من مجازر في غزة وفي الضفة هي أطروحة فاسدة بالكامل وذلك من ناحية القانون الدولي، ويجب أن أشير هنا الى أنه في قضية الجدار العازل حيث استدرجت الجمعية العامة رأياً استشارياً من محكمة العدل الدولية حول قانونية الجدار العازل وقدمت خمسة عشر منظمة صهيونية واسرائيلية ويهودية مذكرات قانونية للمحكمة الدولية تقول ان بناء الجدار العازل هو شكل من أشكال حق الدفاع عن النفس واسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها في مواجهة الضربات الارهابية التي كان يمارسها المقاومون الفلسطينيون ،فردت المحكمة على هذه الأقوال بما يلي:
«حق الدفاع عن النفس يكون حين تأتي جيوش من دولة مجاورة تحتشد وتدخل أراضي دولة أخرى ،في الموضوع الفلسطيني وما تدعيه اسرائيل ليس هناك من جيوش اجنبية تحتشد على حدودها لتدخل أراضيها هناك رجال هم تحت السيطرة الكاملة لاسرائيل وبالتالي لا تستطيع اسرائيل أن تدعي حق الدفاع عن النفس في مواجهة أناس تحت سيطرتها،» بمعنى آخر ليس لسلطة احتلال أي احتلال ان تدعي حق الدفاع عن النفس في وجه المقاومة الوطنية التي يمارسها الشعب الواقع تحت الاحتلال وبالتالي هذه مقولات فاشلة وبائسة ولا أساس لها في القانون.
تفاعلات في الرأي العام العربي والدولي
أنتقل الآن الى ما يجري في الرأي العام العربي والفلسطيني على نحو خاص وكيف نلجأ اليه لكي يساعدنا في مواجهة هذه الهجمة الفاشية من قبل الاحتلال الاسرائيلي.
هناك طريقان يستطيع الفلسطينيون أن يلجأوا اليها لمقاضاة وملاحقة مجرمي الحرب الاسرائيليين:-
الطريقة الأولى ما يسمى بالمحكمة الجنائية الدولية وهي محكمة أسست عام 1988 ودخلت حيز التنفيذ في عام 2002 وانشأت بموجب هذه الاتفاقية ما يسمى بالمحكمة الجنائية الدولية وبدأت هذه المحكمة تمارس صلاحياتها اعتباراً من 2002 .
طريقة التقدم بالشكوى الى هذه المحكمة: يقدم أي طرف سواء رسمي أو غير رسمي شكوى الى المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية وتقدم هذه الجهات كما قدمت كثير من منظمات حقوق الانسان الفلسطينية مثل مؤسسة الحق ومؤسسة المركز الفلسطيني لحقوق الانسان ومؤسسة الضمير، قدموا شكاوى الى المدعي العام السابق وأيضاً الى المدعي العام الحالي ، هذه الشكاوى يدرسها المدعي العام ويفحص المستندات التي قدمت مؤيدة لذلك فاذا رأى أنها جدية ينقلها الى احدى غرف المحكمة للتحقيق فيها وتبدأ هذه الغرفة بالتحقيق في البينات التي قدمها الطرف الشاكي ،فاذا وجدت أن هناك جدية بعد تمحيصها انتقلت الى المحكمة للتقاضي حول هذا الموضوع.
تجربتنا في هذه المحكمة كانت تجربة بائسة ، ففي التجربة الأولى كان المدعي العام الأول ارجنتيني وكان موالياً للاميركان وكان متحفظاً جداً في الاقتراب من الملف الفلسطيني ، والسبب في ذلك أنه لم يصدف أن اقيمت مأدبة في السفارة الاسرائيلية في لاهاي حيث مقر المحكمة الا وكان ضيفاً على السفير الاسرائيلي وبالتالي بامكانكم ان تتوقعوا ماذا سوف يكون موقفه ؟!
كان موقفه معارضاً لأي شكوى تقدم من الطرف الفلسطيني يأخذ الشكوى فيقبلها الا أنه كان يقول لست مضطراً للرد عليها ، انتهت ولايته وجاءت ولاية المدعية العامة الثانية وهي من غامبيا سيدة قانونية ممتازة وبدأت في التحقيق بالشكاوى ووجدت سبباً جيداً لاحالة الملف الى محكمة ابتدائية لكي تحقق في الشكوى ووجدت المحكمة أسباباً وجيهة في ذلك وانتقلت المدعية العامة الثانية الى الاعلان أن هناك جرائم ترتكب في الاراضي الفلسطينية المحتلة ويجب الانتقال الآن الى مرحلة المحاكمة.
لسوء الحظ انتهت ولايتها وجاء المدعي العام الثالث كريم خان وهو باكستاني يحمل الجنسية البريطانية فقد نزاهته وحياديته المطلقة منذ اليوم الأول وأعلن بالممارسة انه منحاز انحيازاً تامً لما تريده الولايات المتحدة الامريكية حيث كان لها الفضل الاول في تعيينه وتسميته مدعي عام والدليل على عدم حيادته انه حين تم تعيينه في اواسط عام 2021 ولم يمضي على تسميته سنة حتى اندلعت الحرب الأكرانية الروسية فذهب الى اوكرانيا مرتين وأصدر مذكرة ضبط للرئيس بوتين بعد مرور عام على تعيينه وعندما طلب منه زيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة التي مضى عليها اكثر من سبعة عقود تحت الاحتلال لم يذهب ولا مرة الى الاراضي الفلسطينية المحتلة ولم يوجه أي اتهام لأي من المسؤولين الاسرائيليين وبالتالي هو لم يأتي للاراضي الفلسطينية المحتلة الا بعد معركة غزة حيث جاء الى رفح ولم يتم السماح له بدخول اراضي غزة من قبل «اسرائيل»، الا انه دعي من قبل أسر الاسرائيليين الذين افرج عنهم لمقابلتهم وذهب الى «اسرائيل» علماً ان «اسرائيل» ليست موقعة على ميثاق المحكمة ثم انتقل من القدس الى رام الله لمقابلة منظمات حقوق الانسان الفلسطينية التي اتخذت موقفاً شجاعاً وخطوة جريئة وشريفة ورفضت مقابلته.
وهكذا أخذ شكواه وذهب الى ابو مازن يشكو له هذه المنظمات ولكن ابو مازن لم يقدم له شيئاً.
محكمة العدل الدولية –الطريق الأسلم
الآن هناك حملة لتقديم دعوى لما يجري في غزة ضد اسرائيل أمام هذه المحكمة ، هذه مطالبة وجيهة نظرياً ولكن عملياً سوف لن تأتي بنتائج بسبب المدعي العام الحالي وبالتالي لم أشجع احداً الولوج في هذا الطريق علماً ان هناك اصرار لدى العديد من كثير من المنظمات والافراد بان يذهبوا للمحكمة الجنائية الدولية.
الطريق الثاني المتاح لنا والأسلم عاقبة هي محكمة العدل الدولية وهي محكمة دول لا يجوز لمنظمات او هيئات او افراد ان يتقدموا بطلبات لها، هي محكمة وهي جزء لا يتجزأ من هيئة الأمم المتحدة وهي احدى المنظمات المنبثقة عنها وينتخب قضاتها الخمسة عشر من الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث تتقدم بعض الدول بترشيحات لهؤلاء ويتم فحص سجل كل مرشح قبل أن يتم التصويت عليه وبالتالي يتمتع هؤلاء القضاة بنزاهة عالية ومصداقية كبيرة ، من هنا لجأنا الى حث بعض الدول العربية والاسلامية على ان تقدم دعوى ضد اسرائيل على أساس اتفاقية دولية اسمها الاتفاقية الدولية الخاصة بمنع ارتكاب جريمة الابادة الجماعية والمعاقبة عليها، هذه الاتفاقية وضعتها هيئة الأمم المتحدة عام 1948 وكانت «اسرائيل» من اولى الدول التي وقعت عليها عام 1949 وصادقت عليها عام 1950 ومن الدول العربية هناك خمسة عشر دولة عربية صادقت وانضمت لهذه الاتفاقية الدولية منها الاردن والكويت والسعودية والامارات ومصر وسوريا والجزائر وحاولنا ان نحث بعض الدول العربية التقدم بشكوى على أساس هذه الاتفاقية ولم توافق حتى تاريخه.
هذه الاتفاقية تحدد ما هي الافعال التي تشكل جريمة الابادة الجماعية وهذه الاتفاقية صريحة وواضحة في اخضاع وتحديد الحالات التي تشكل حالات ابادة جماعية من ضمنها الحاق أذى جسدي أو روحي خطير باعضاء الجماعة او اخضاع الجماعة عمداً لظروف معيشية يراد بها تدمير هذه الجماعة تدميراً كلياً او جزئياً.
الاتفاقية الدولية تقوم على مبدأ اثبات النية لدى الدول المتهمة ان كان عندها نية التدمير، كانت عملية اثبات نية التدمير عملية مرهقة للدول التي تقدمت في بدايات هذه الاتفاقية ثم بدأت كما تذكرون في اتفاقية المحكمة الدولية الخاصة بيوغسلافيا والمحكمة الدولية الخاصة برواندا، هؤلاء انشأهم مجلس الأمن الدولي بسبب الجرائم التي ارتكبت في يوغسلافيا وروندا القضاة في المحكمتين وضعوا أسساً وفقها جديداً حول هذه الاتفاقية وهذا الفقه يساعدنا الآن على أن نتقدم بهذه الدعوة لمحكمة العدل الدولية اذ قال “النية مسألة داخلية وبالتالي يجب التفتيش في داخل صاحب القرار اذا عنده نية لارتكاب هذه الجريمة أم لا ، المحكمة قالت ليس بالضرورة هكذا ممكن استخلاص النية من الاعمال التي تقدم (من ظاهر الافعال) «وبالتالي كان هذا الاجتهاد مهماً جداً، وعلى ذلك تشجعت كثير من الدول ان تتقدم بطلبات.
الآن نحن بصدد الدعوى التي اقامتها جنوب افريقيا ضد «اسرائيل « وهي مهمة جداً وترتكز على أسس قانونية سليمة طبقاً للاجتهادات الحديثة لما جرى عليه العمل منذ تأسيس المحكمة بيوغسلافيا ورواندا، الدعوى تتكون من شقين:
الشق الأول : ما يسمى في القانون الاجراءات الوقتية.
والشق الثاني: وهو في موضوع النزاع الاساسي هل هناك جريمة ابادة ام لا؟.
في الشق الاول تستطيع الدولة ان تتقدم من المحكمة وتطلب منها الأمر واصدار الامر للدولة المدعى عليها بأن توقف تصرفاتها الى أن يصدر القرار في الموضوع، وتقدمت جنوب افريقيا بهذا الطلب وطلبت من المحكمة أن تأمر اسرائيل بوقف القصف والتهجير والسماح بادخال الادوية والاغذية الى أهلنا في غزة الى ان يصدر القرار في موضوع :هل «اسرائيل» خالفت الاتفاقية أم لا .
الآن في 11و12 من الشهر الجاري ستعقد المحكمة جلسة حتى تقرر في هذا الأمر، وهذا تطور مهم وايجابي ان نحصل على جواب شاف من المحكمة بهذا الموضوع.
الشق الثاني سوف يستغرق وقتاً لكن هناك من يتابع الصحف الاسرائيلية ويلاحظ الرعب الكبير في اوساط اصحاب القرار الاسرائيلي.
الاسرائيليون يأخذون الموضوع على محمل الجد بسبب تهمة ارتكاب مجازر خصوصاً وان لدينا ادبيات مهمة جداً تثبت ذلك، حول اثبات النية يوجد اكثر من 400 تصريح لمسؤولين اسرائيليين بدءاً من رئيس الدولة لرئيس الحكومة لوزير الدفاع وأكد على تصريح وزير الدفاع باعتبار انه المسؤول الأول عن شؤون الاراضي الفلسطينية المحتلة هو المسؤول الاول، هذا وزير الدفاع نطق بالحق وقال «نحن نفرض على غزة حصاراً كاملاً لا أكل ولا ماء ولا دواء ولا كهرباء سوف نعاملهم كحيوانات بشرية «هذه الجملة تغنينا عن البحث عن النية ، هذه نية الرجل الأول المسؤول عن شعبنا وأراضينا المحتلة عام 1967، وهناك حوالي 400 تصريح لمسؤولين اسرائيليين حول نفس الموضوع تزيد أو تقل قليلاً عن ذلك الا ان هذا عنوان الدعوى المقامة الآن ضد اسرائيل.
هذه الدعوى سوف تستغرق وقتاً ولن تمر مرور الكرام لأن الاسرائيليين عينوا استاذ قانون دولي صهيوني لئيم جداً أعرفه هو استاذ في جامعة هارفرد لكن جنوب افريقيا لم نعرف بعد من هو فريقها القانوني لكن تشعر من كتابة لائحة الدعوى انها كتبت بمهنية عالية ايضاً، وستكون هناك معركة حامية الوطيس بين اسرائيل وجنوب افريقيا.
دولة جنول افريقيا : لا تخضع للاملاءات الامريكية والصهيونية
السؤال الآن لماذا لم تقم دولة عربية او اسلامية برفع دعوى علماً انه عقد مؤتمر عربي اسلامي ضم 57 دولة ولم تقم دولة برفع دعوى علماً انه اتصلنا ببعض الدول نطلب منهم التحرك وتقديم دعوى على أساس الابادة ولم نلقى تجاوباً، ومؤخراً عندما رأينا جنوب افريقيا تقيم الدعوى.
اعتقد ان الوضع يستحق الجهد والشكر لله انه لم تتقدم أي دولة من هذه الدول بسبب ان الغالبية العظمى منها تخضع للنفوذ الامريكي والبريطاني والفرنسي وبالتالي سوف تخضع للضغوطات السياسية وبالتالي حظنا كان جيداً ان جنوب افريقيا تحركت لأن جنوب افريقيا لها تاريخ مجيد في النضال ضد هذه الجرائم، انها صلبة جداً في المسرح الدولي ودولة قوية ولها التزام عميق بالقضية الفلسطينية وتحتضن في ذلك تراث الرئيس المرحوم مانديلا وبالتالي أظن انه من حسن الحظ اننا الآن نؤيد انطلاقة جنوب افريقيا في هذا المجال.
ماذا يمكن ان تفعل الدول العربية والاسلامية او الصديقة في هذا المجال؟
الآن الدعوى اقيمت وتنظر حالياً وسوف تنظر قريباً من قبل المحكمة الدولية، القانون يسمح للدولة ان تتدخل وكلمة تتدخل في الدعوى أي ان تأتي دولة مثل الأردن وتقدم مذكرة اننا في الأردن ننضم مؤيدين لما قدمته جنوب افريقيا ونؤيد الأطروحات القانونية او بامكان الاردن ان يقدم مذكرة قانونية لدعم ذلك، الآن هناك حملة في الأردن قدمت بالأمس لائحة من قبل بعض النشطاء لرئيس الحكومة يطالبون الحكومة بالتدخل وهناك ايضاً حملة اخرى سوف تمتد لبعض الدول العربية للمطالبة وحث الدول العربية التدخل في هذه الدعوى وآسف على الاطالة وأرجو ان أكون قد أوضحت بعض الامور.
بعد الانتهاء من تقديم المداخلة الرئيسية فتح باب النقاش للحضور، والذي اسهم فيه عدد من المشاركين.
الاستاذ زياد النجداوي
أنا لست متفائلاً بما طرح الدكتور أنيس لأن محكمة العدل الدولية جزء من هيئات دولية وهي هيئات تخضع للارادة والهيمنة الصهيونية والامريكية بدليل استخدام حق النقض الفيتو ضد القرار الروسي وبالتالي هل يمكن أن تكون محكمة العدل الدولية صاحبة ارادة حرة بادانة الجرائم الصهيونية؟؟؟
السؤال الثاني يتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية وبحكم خبرتي كمحامي أن المدعي العام بمجرد الاخبار ان يقوم بتحريك شكوى دون الحاجة الى النظر لمن يستطيع أن يتقدم بالشكوى، بدليل ان الجرائم المرتكبة من قبل العدو الصهيوني واضحة للعيان وبالتالي انا كمدعي عام اذا كنت املك النزاهة والحيادية والاستقلالية في اتخاذ القرار أحيل الملف كجزء من القانون الجنائي الدولي جريمة ضد الانسانية جريمة الاخفاء القسري جريمة التهجير وجريمة منظمة حسب تعريف قانون روما لهذا الوضع وبالتالي أنا استاذنا الكريم مع كل الاحترام لوجهة نظرك أرى ان محكمة العدل الدولية لن تكون قادرة على اتخاذ قرار كما نأمل وتأمل جماهير شعبنا العربي لأن سابقة الجدار العازل تم اتخاذ قرار بشأنها ولكنه لم ينفذ الى الآن وبقي في ادراج المحكمة.
لبنى حمدان:
السؤال يتعلق بالتدخل الاردني هل يتعارض مع معاهدة السلام
الاستاذ فواز البطاينة:
انا كنت متفائلاً بالمحكمة الجنائية ومحكمة العدل الدولية ولكن بعد ما سمعت لا أعتقد أنها ستخرج بنتائج هيئة الأمم المتحدة لم تستطيع اجبار اسرائيل على وقف اطلاق النار.
انا اتصور ان النفوذ الامريكي والصهيوني يسيطر على هذه الهيئات ويمنع تنفيذ قراراتها.
الاستاذ نصر عبيد:
هل يحق لدولة فلسطين التقدم بشكوى الى محكمة العدل الدولية وماذا يمكن لنقابة المحامين والنشطاء ان يقوموا بدور اسنادي في هذه القضية؟؟
الاستاذ صلاح حياصات:
النية الجرمية حقيقة هي أو يصعب استخلاصها وبالتالي نحن حصرنا أنفسنا بتصريح لوزير الدفاع الاسرائيلي، حول معاملة الفلسطينيين كحيوانات امام التهجير والاعتداءات وقتل الأطفال والنساء دون وجه حق هذه اكبر نية جرمية وتباعاً كل الاعتداءات تستطيع المحكمة من خلالها تأكيد النية الجرمية.
الاستاذ بسام الرواشدة:
ما هي الاحكام المتوقعة نتيجة هذه الدعوى بعد ثبوتها وما هي آلية التنفيذ؟
تناول الدكتور أنيس القاسم الردود على الاسئلة والملاحظات كالتالي :-
بالنسبة للملاحظات أن المحكمة جزء من هيئة الأمم وتخضع للنفوذ الصهيوني الامريكي ، مع الاحترام لوجهة النظر وهي صحيحة في كثير من جوانبها الا أنني من تجربتي مع المحكمة الدولية انزه المحكمة عن خضوعها للتأثيرات السياسية الامريكية وغيرها وكان لنا تجربة في قضية الجدار حيث كان خمسة عشر قاضياً والجميع اتفق مع النتيجة القاضي الامريكي الذي عارض فنياً من الناحية الاجرائية لم يعارض من الناحية الموضوعية هو موافق أن الجدار غير شرعي ووافق ان اقامته لا يسندها القانون الدولي واذا ارادت اسرائيل ان تدعي حق الدفاع عن النفس يجب ان يكون ادعائها منسجماً مع القانون الدولي هو اعترض فقط لناحية شكلية أن اسرائيل لم تكن ممثلة وكان يجب ان تسمع مباشرة من قبل المحكمة ولكن اسرائيل رفضت حتى أن تقدم مذكرة الذي قدم نقابة المحامين الاسرائيليين ومنظمات صهيونية ويهودية واسرائيليين وجميعها جاءت بنفس وجهة النظر وهو رد عليها وقال أنا أتفق مع كل المسائل الموضوعية التي وصل اليها زملائي في المحكمة الا أنني امتنع بسبب الجانب الشكلي فيها.
محكمة العدل الدولية لا تقاضي من ناحية الاتهام فهي ليست محكمة جنائية هي محكمة مدنية وبالتالي هي تقرر في النهاية هل اسرائيل أخلت بالتزاماتها تحت الاتفاقية الدولية الخاصة باتفاقية الابادة الجماعية أم لا ؟ فاذا وجدت أنها أخلت حكمت عليها بالتعويضات عن كافة الاضرار التي لحقت بالدولة المعتدى عليها أو الشعب المعتدى عليه لكنها لا تقيم اتهامات هي محكمة دول وليس محكمة افراد بعكس محكمة الجنايات الدولية.
في محكمة الجنايات الدولية نحاكم افراداً ولا نحاكم الدولة ،محكمة الجنايات الدولية تقدم الشكوى ضد نتنياهو أو جالنت او المسؤولين والافراد واذا صدرت عليهم احكام يحكم عليهم بالسجن او التعويض.
التدخل في الدعوى لا يتعارض مع اتفاقية وادي عربة ودليل ذلك ان الأردن كان قدم وشارك على نحو نشط وبارز أمام محكمة العدل الدولية في قضية الجدار بالعكس الأردن أتى بمحامي انجليزي معروف وترافع في مذكرة الدفاع الأردنية وكان أهم محامي مترافع في العالم آنذاك، وكان له دور بارز.
فلسطين انضمت لميثاق قانون محكمة العدل الدولية الا أنها لم تبادر لاقامة الدعوى وكما قلت عن الدول العربية أقول ايضاً عن المندوب الفلسطيني الذي يمثل السلطة نحمد الله انه لم يقدم الشكوى لأن له تاريخاً سيئاً في المساومة على هذه القضايا كما حصل في قضية القدس وهي قضية مهمة حين قرر ترامب نقل السفارة الامريكية الى القدس الشرقية:-
أقامت فلسطين دعوى ضد امريكا امام محكمة العدل الدولية وكانت الدعوى بسيطة ونظيفة وقصيرة وتستند الى الاتفاقية الدولية الخاصة بالعلاقات الدبلوماسية (اتفاقية فينا)والتي كان النص فيها يقول: على الدولة التي ترسل بعثتها الدبلوماسية أن تقيم بعثتها الدبلوماسية في اراضي الدولة التي تستلم البعثة او تستضيف البعثة يعني السؤال الذي كان مطروحاً على المحكمة هل الولايات المتحدة الامريكية اقامت بعثتها الدبلوماسية في اراضي اسرائيلية أم لا؟ وكان على المحكمة ان تقدم هذا الجواب كما وسبق ان المحكمة اعلنت في قضية الجدار ان القدس اراضي محتلة ، وبالتالي كنا نتوقع ان يكون الجواب ان امريكا خالفت الاتفاقية الدولية اتفاقية فينا الخاصة بالعلاقات الدبلوماسية وعليها ان تسحب بعثتها وهذا القرار لو صدر كان سيؤثر على التشريع الاسرائيلي ، بالاعلان عن القدس عاصمة ويؤثر على التشريع الصادر عن الكونجرس الامريكي والذي طالب الادارة الامريكية بنقل السفارة الى القدس ويطعن في تصرف الادارة الامريكية كونه تصرفاً مخالفاً للقانون الدولي.
وبالتالي حين بدأت اجراءات هذه المحاكمة ولسبب غريب عجيب اتصلت القيادة الفلسطينية بمسجل المحكمة وطلبت منه تجميد الدعوى وهذه الدعوى مجمدة منذ 21/4/2021، طلبت تجميد القضية وبالتالي نحمد الله ان السلطة الفلسطينية لم تقم بهذه الدعوى لأنهم حسب التجربة يخضعون للمساومة.
الاستاذ صلاح حياصات ربما لم أكن واضحاً الاتفاقية الدولية تقول يجب اثبات النية بالتدمير واثبات النية كانت من الصعوبة بدرجة ثم جاءت الاجتهادات القضائية في محكمة رواندا الدولية ومحكمة يوغسلافيا الدولية وقالت ليس من الضرورة أن تكون النية محددة بتصريح رسمي أو وثيقة رسمية بل يمكن استنتاجها واستخلاصها هذا خفف العبء عنا لذلك اقول في القضية التي اقامتها جنوب افريقيا اعفتها اسرائيل من البحث عن النية لأن 400 تصريح رسمي اسرائيلي يؤكد ان النية مبيتة وقائمة وعلى ان سياسة الدولة العبرية هو الابادة الجماعية ومقرونة بالافعال والنية الجرمية واضحة.
وحول دور النشطاء والمنظمات دورها ان تحمل الحكومة على التدخل وتأييد الدعوى بتقديم مذكرة من الحكومة لمحكمة العدل الدولية وتحثها بكل الوسائل الممكنة.
حول تنفيذ الحكم :الاحكام التي تصدر عن محكمة العدل الدولية ولا سيما الاحكام الخاصة حول الابادة الجماعية تكون ملزمة بشكل خاص لسبب ان الاتفاقية الدولية الخاصة بالابادة الجماعية ، المادة التاسعة تقول ان الدولة التي تنضم وتوقع عليها تخضع نفسها سلفاً للولاية القضائية لمحكمة العدل الدولية فاسرائيل التزمت سلفاً بأنها تخضع نفسها لمحكمة العدل الدولية ولقراراتها ، الآن لو فرضنا ان اسرائيل تريد ضرب القرار بعرض الحائط اذا صدر ضدها ، هناك آلية في ميثاق الامم المتحدة ان تحال القضية لمجلس الأمن وتطلب من مجلس الأمن قراراً يصدر ضد هذه الدولة لأن هذه اعلى محكمة قضائية في العالم، الآن حتى لو تم نقض القرار بالفيتو، فان هذا لا يغلق الطريق تستطيع جنوب افريقيا بالتعاون مع الدول الاخرى اللجوء للجمعية العامة وكما فعلت جنوب افريقيا حين كانت تحت نظام الفصل العنصري ، فقد أصدرت الجمعية العامة سلسلة من القرارات التي طلبت من الدول ان تسحب سفراءها من جنوب افريقياو ان تمنع طيران جنوب افريقيا النزول في اراضيها، وتمنع طيرانها الوطني الذهاب لجنوب افريقيا، وتمنع السفن ذهاباً واياباً لدرجة ان آخر اجراء اتخذ آنذاك كان منع فريق جنوب افريقيا الرياضي من الاشتراك في الاولمبياد، هناك عملية عزل لهذه الدولة التي اصدرت المحكمة قراراً بادانتها. وكان قرار منع جنوب افريقيا «العنصرية في حينها» الاشتراك في الاولمبياد والقشة التي قصمت ظهر البعير وأعلنت استسلامها.
أي تدخل من قبل الدول بدعم مذكرة جنوب افريقيا مهم جداً وضروري لتشكيل قناعة او انطباع ان هناك اجماع دولي ان ما جرى ويجري في غزة هي جريمة ابادة لحسن الحظ هناك اساتذة اسرائيليون يعلنون ان ما يجري في غزة حرب ابادة.
الرفيق محمد حمو:
هل هناك طريقة اخرى لتشكيل لجنة من المحامين او اتحاد المحامين العرب للتواصل مع مجموعة من الاكاديميين والمحامين الاجانب ممكن ان تشكل حالة ضغط على القرارات او يكون لها صلاحيات بالدفاع عما يجري في غزة؟
جواب هناك شيء امام القضاء الدولي اسمه مذكرة الصديق صديق المحكمة مجموعة من المحامين او دولة او منظمة حقوقية او مكتب محاماة يستطيع ان يقدم للمحكمة اسمها مذكرة صديق المحكمة وهي غير ملزمة للمحكمة ولكنها تدعي انها تساعد المحكمة في الوصول الى وجه الحق في الدعوى.
الاقتراح هذا ممكن من خلال تشكيل 50 استاذ قانون دولي من الجامعات العربية وتقديم مذكرة للمحكمة وتؤكد انها تعتقد ان ما جرى في غزة ابادة جماعية وهذه دراستنا القانونية ويجب ان تكون مركزة على القانون ولهاتأثيرات احياناً لأنها قد تضيف بعض الجوانب وقد تلقي الضوء على بعض الجوانب التي تغفلها المذكرات القانونية التي قدمت من الدول.