حيان نيوف – كاتب سوري
أعلن الكيان الصهيوني في الأسبوع الفائت أنه أخطر الأمم المتحدة رسمياً بإلغاء الاتفاقية التي تنظّم علاقاته مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) منذ عام 1967، وجاء هذا الإعلان بعد أن قام الكنيست الإسرائيلي وبأغلبية ساحقة في تشرين الأول/أكتوبر الفائت بإقرار قانون يحظر عمل “الأونروا” في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويمنع السلطات الإسرائيلية من التعاون مع الوكالة التي تقدّم المساعدات والخدمات التعليمية لملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة وغزة.
ويأتي القرار الإسرائيلي بعد ستة أشهر من من قيام الكونغرس الأميركي في نهاية آذار/مارس الفائت بإقرار قانون يحظر تمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى “الأونروا” لمدة عام كامل حتّى آذار/مارس من العام 2025 على الأقل. وجاء القرار في حينها بعد اتفاق بين زعماء الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ضمن خطة أوسع للتمويل الحكومي بعد أن لجأ الجمهوريون للزجّ بهذا الملف لمقايضة إدارة بايدن عليه مقابل تمرير التمويل الذي طلبه في ملفات أخرى.
نبذة عن وكالة الأونروا
أنشئت الأونروا في أعقاب نكبة العام 1948 بناءً على قرار صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1949، وهي وكالة أممية لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط، وتقدّم المساعدة والحماية للاجئين الفلسطينين في كلّ من الأردن وسوريا ولبنان والأراضي الفلسطينية، وتشمل خدماتها مجالات التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والبنية التحتية وتحسين المخيمات والدعم المجتمعي والإقراض الصغير والاستجابة الطارئة، بما في ذلك في أوقات النزاع المسلّح، وذلك إلى أن يجري التوصّل إلى حلّ قضيتهم ومعاناتهم.
وطوال ما يقارب 75 عاماً على إنشائها؛ قدّمت الأونروا خدماتها لأربعة أجيال من اللاجئين الفلسطينين ضمن مناطق عملها، حيث ارتفع عددهم من 750 ألف لاجئ عند إنشاء الوكالة حتّى وصل إلى ما يقارب ستة ملايين لاجئ اليوم. وبناء عليه؛ يمكن القول بأن الأونروا، وعبر خدماتها التي تقدّمها، قد ساهمت في تحقيق إنجازين مهمّين للقضية الفلسطينية وقضية اللاجئين حيث نتج عن عملها تمسّك اللاجئين الفلسطينين بحقّهم في العودة، وفي الوقت ذاته الذي أسهم بمنع تهجيرهم مجدداً تحت ضغط العوز والحاجة.
نتنياهو وترامب في مواجهة الأونروا
أدرك الكيان الإسرائيلي، منذ سنوات، رمزية الأونروا والدور الذي تقوم به لصالح اللاجئين الفلسطينين، وبالتالي الخطر الذي تشكّله تلك الوكالة على مخطّطاته في التهجير والتوسّع، فواظب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، طوال سنوات، على مهاجمة الوكالة منذ عهد الرئيس الأميركي السابق والمنتخب حديثاً دونالد ترامب وصولاً إلى عهد الرئيس الحالي جو بايدن، وساق نتنياهو الكثير من الأضاليل والأكاذيب والاتهامات بحقّ الأونروا، واتهمها بأنها تمثّل المشكلة وليست الحلّ لقضية اللاجئين الفلسطينين.
كما أنّ نتنياهو اتّهم الأونروا بنشر الكراهية ضدّ الكيان الإسرائيلي والتلاعب بأعداد اللاجئين، وطالب بتفكيكها وإلغائها مراراً. وتمكّن نتنياهو من إقناع ترامب خلال ولايته السابقة بوجهة نظره ضدّ الوكالة ليقوم الأخير بتكرار اتهامات نتنياهو بحقّ الوكالة، قبل أن يصدر قراره في العام 2018 القاضي بوقف التمويل الأميركي للأونروا، حيث تشكّل المساهمة الأميركية ما يقارب ثلث موازنة الوكالة البالغة 1.4 مليار دولار.
وكان الهدف الحقيقي لكلّ من نتنياهو وترامب في ذلك الحين يتمثّل بإسقاط حقّ العودة للاجئين الفلسطينين من خلال تفكيك وكالة الأونروا المسؤولة عن إدارة شؤونهم، وقطع التمويل عنها لحرمانهم من سبل العيش والتنمية البشرية والحياة، والدفع بهم للهجرة خارج المنطقة. وكل ذلك كان تحضيراً لتمرير “صفقة القرن”، في ذلك الوقت، من خلال إزالة عقبة اللاجئين التي تشكّل إحدى أهم العثرات بوجه أيّ اتفاق أو حلّ على الطريقة الإسرائيلية الأميركية.
نتنياهو وإدارة بايدن والأونروا
في العام 2021 أصدرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قراراً بإعادة تمويل وكالة الأونروا، ولكن هذا التمويل لم يصل إلى نصف ما كانت تسهم به واشنطن في السابق، وبقي عند حدود 150 مليون دولار، قبل أن تعود وتخفض مساهمتها إلى 126 مليون دولار سدّدت منها 60 مليون دولار فقط، ولاحقاً لذلك أصدرت قراراً بوقف تمويل الوكالة في مطلع العام الحالي كانون الثاني/يناير2024 ، حيث استمرّ ذلك لحين إقرار الكونغرس لمشروع قانون وقف التمويل الأخير حتّى شهر آذار/مارس من العام 2025.
وبرّرت إدارة بايدن قرارها بوقف التمويل للوكالة استناداً إلى الأكاذيب الجديدة التي روّج لها نتنياهو، والتي قال فيها إنّ عدداً من موظفي الوكالة شاركوا في عملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، فتبنّت إدارة بايدن هذه الرواية واستخدمتها لتسويغ وقف التمويل. ولحقت بها العديد من الدول المموّلة وعددها 15 دولة، لكن إدارة بايدن لم تطالب بإلغاء الوكالة وطالبت بالتحقيق في الحادثة، والتي لم تستطع كلّ من واشنطن و”تل أبيب” تقديم أيّ دلائل عليها.
الأهداف الحقيقية لاستهداف وحظر الأونروا
أولاً: تحويل قضية اللاجئين الفلسطينين من قضية سياسية وقانونية إلى قضية إنسانية تمهيداً لإسقاط حقّ العودة.
ثانياً: في إطار حرب الإبادة الجماعية التي تشنها “إسرائيل” على قطاع غزّة، بدعم وتنسيق من واشنطن منذ ما يزيد على العام، يهدف المخطط الإسرائيلي الأميركي إلى قطع شريان الحياة الأخير للفلسطينيين واللاجئين في قطاع غزّة بهدف دفعهم إلى الهجرة الطوعية والقسرية.
ثالثاً: تسعى واشنطن و”تل أبيب”، وضمن مخطّطهم على الأرض وعبر المفاوضات المتعثّرة منذ أشهر والمعروف باسم “اليوم التالي للحرب”، إلى إنشاء إدارة جديدة تتولّى الأمور في قطاع غزّة. وتعتقد واشنطن، بالتنسيق مع “تل أبيب”، أن تجفيف مصادر تمويل الأونروا سيسهم في الضغط على اللاجئين الفلسطينين في القطاع للقبول بشروط “إسرائيل” عبر تجويعهم والتحكّم بلقمة عيشهم.
رابعاً: تسعى واشنطن نزولاً عند نتنياهو وبالتنسيق مع “إسرائيل”، إلى نقل عهدة شؤون اللاجئين من الأونروا إلى منظّمات أخرى تتبع لها وتتحكّم بسير عملها، ما يحقّق لها غاياتها وغايات “إسرائيل” السياسية لإسقاط حقّ العودة.
خامساً: تعتقد الولايات المتحدة والكيان الصهيوني بأنّ دمج “إسرائيل” في المنطقة تمهيداً لتسلّمها قيادتها تقف دونه القضية الفلسطينية برمّتها وقضية اللاجئين على وجه الخصوص، لذلك فإنه ووفقاً لاعتقادهم ومخطّطاتهم فإن استهداف الأونروا سيسهم إلى جانب تهجير الفلسطينين من قطاع غزة، ولاحقاً من الضفة الغربية في توطين أعداد كبيرة منهم بشكل دائم في دول الجوار أو الدول التي سيجري تهجيرهم إليها.
سادساً: مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض يطمح نتنياهو وحلفاؤه من اليمين المتطرف لإعادة ضمّ الضفة الغربية وقطاع غزة بعد أن أظهر نتنياهو دعماً واضحاً لترامب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت في الولايات المتحدة، وكان ترامب قد أعلن خلال حملته الانتخابية بأن “مساحة إسرائيل صغيرة”، حيث اعتبر ذلك التصريح بمثابة دعم لطموحات اليمين المتطرّف الإسرائيلي بالتوسّع والضمّ، وعليه فإن توقيت القرار الإسرائيلي بحظر الوكالة جاء استباقاً لعودة ترامب إلى البيت الأبيض تمهيداً لتنفيذ اتفاق التوسّع والضمّ الذي بات مفضوحاً بين الجانبين.
في الختام؛ إنّ مواجهة المخطّط الأميركي الإسرائيلي الهادف لإسقاط حقّ العودة عبر استهداف وكالة الأونروا يستوجب من الدول والمنظّمات المؤيّدة للقضية الفلسطينية العمل على مواجهة هذا المخطّط عبر تأمين مصادر تمويل جديدة لهذه الوكالة. وهو ما يجب أن تقوم به الدول العربية والإسلامية على وجه التحديد، سواء بشكل فردي أم عبر قرارات تصدر عن الهيئات والمؤسسات المختصة، وخاصة منظّمة المؤتمر الإسلامي.
وكذلك يتطلّب الأمر التوجّه نحو الدول المؤيّدة لعمل الأونروا، مثل الصين وروسيا ودول آسيا ودول الجنوب العالمي.. وفي الجانب السياسي؛ لا بدّ من التمسّك بحقّ العودة والقرار 194 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، ومواجهة ورفض كلّ الضغوط السياسية والتسويات المبتورة التي تسعى واشنطن لتمريرها.. وبما يخصّ محور المقاومة؛ يتوجّب الحذر من الدمج المتعمّد من قبل واشنطن و”تل أبيب” بين قضيتي اللاجئين ووكالة الأونروا من جهة، ووقف إطلاق النار من جهة أخرى، وفصل المسارين في أيّ مفاوضات لوقف إطلاق النار.